الليـــــــــــــل...................

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا دائما موصولا بلا انقضاء، والصلاة والسلام على زين الأنبياء، و إمام الأتقياء، سيدنا محمد، وعى آله وصحابته صلاة وسلاما من رب السماء، والتابعين وتابعيهم إلى يوم انعقاد مجلس الحساب و القضاء، وبعد:
الليل... أنس المحبين، ونزهة المشتاقين
الليل... حديقة العاشقين، وجنة الأخلاء الواجدين
الليل... فيه ينفرد كل إلف بإلفه، ويخلو كل صفي بصفيه
الليل.. بحر السكون، في طيه خبايا وأسرار دفينة
الليل... مستودع الأسرار، وموج الظنون
تتوالى الأيام، وتمضي السنون، ولا ينفك المبدعون يتغنون بجمالك الأخاذ، وسحرك الفاتن الجذاب...
يا ليل طل يا نوم زل *** يا صبح قف لا تطلع
من صلى فيه استنار وجهه بالنهار، ومن بات يحييه معاقرا فيه ألوان المعاصي، ومجترحا أصناف الذنوب، اسودت جوارحه، وتحجر فؤاده، وقست ملكاته، فلا تكاد تظفر منه بفائدة، أو تفوز بحظ ذي خير عميم...
الليل...الفيصل بين المؤمن الحق، والخامل المتهاون...
فيه تتنزل الرحمات و البركات، ويهبط رب الأرض والسماء هبوطا يليق بعظمته وجلاله، إلى السماء الدنيا، في بيت العزة، مناديا:
هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟... هل من صاحب حاجة فأقضيها له؟
فيا فوز من وفق لقيامه، وانبرى فيه بالذكر والتباكي بين يدي مليكه...
ويا خسارة وتبور من ضيعه ولم يغتنم فوائده ومنافعه الجمة...
إن لله عبادا، عباد ليل، إذا ما الليل جن، يحنون لعقد الظلام خيوطه، وإسباله سوادا حالكا،لا يسمع فيه دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء، حتى إذا ما تم لهم ذلك، صفوا الأقدام، وأنشئوا في التململ بين يدي مولاهم تململ الطائر المبلل من الماء،رغبا ورهبا، خوفا وطمعا، خشية ورجاء ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾، السجدة16.
لا يطيب لهم العيش على الفرشات، ولا يتلذذون بما أحل الله لهم من المتع والمباحات، يؤثرون ما عند ربهم، ويذرون الفاني الزائل...
لا يهنأ لهم بال، ولا يغمض لهم جفن، هم إلى التذلل والتضرع، أقرب منهم إلى التفاخر والتكبر، يفرون منهما فرار السليم من المجذوم ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ النور37.
دخل النبي- صلى الله عليه وسلم- على بعض من الصحابة يوما، فألفاهم يضحكون، فقال لهم: " لو علمتم من الله ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، ولما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولفررتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله بالدعاء".
هي ليست دعوة منا لبث روح من التشاؤم والقنوط واليأس، بل على العكس من ذلك، هي دعوة صادقة، للتفكر في حقيقة الدنيا الفانية، فالكيس من دان نفسه لما بعد الموت، والمغرور من جاب الدنيا طولا وعرضا، وظل مفتتنا بمباهجها، منشغلا بمغرياتها....
فإلى متى هذا التغافل والصدود؟؟؟ وإلى متى ذلكم التناسي والإعراض؟؟؟ أسئلة مريرة والإجابة عنها أمر...
أين نحن من أولائك الأفذاذ؟؟؟ ذوي الهمم العالية التي تحاكي الجوزاء، والعزائم الراسخة المناطحة قمم الجبال الرواسي الشماء، جيل لن يجود علينا الزمان بمثله قط، وردوا النبع صافيا زلالا، ووردناه كدرا عكرا.
وبالرغم من كل ذلك، فإني متفائل بغد مشرق، ملؤه الضياء والوضاءة، فإن الخير لا ينعدم في هذه الأمة، فقوافل الصالحين، وركائب التائبين العائدين، لن تنقطع، فنحن أمة الخير، والنماء والتطور، على جميع الأصعدة، لا مكان عندنا لقطع الأمل في الله، واليأس من روحه وحنوه.
ولكن كيف السبيل إلى ارتقاء سلالم المجد والعز والسؤدد؟؟؟ أترك لكم الحرية كاملة للجواب عن السؤال...
أتغيى – ومشاعر الصدق والعاطفة الفياضة- تغمرانني من خلال ما ألمحت إليه، إلى أن نعيد استرجاع تفاصيل حياتنا، ونخضعها لعملتي تصفية وتربية، تحلية وتجبية، لنتق الله ما استطعنا، ولنقلع عما أمرنا باجتنابه بالكلية، دونما تسويف أو تأجيل، فإنه ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ يونس49، وإن موت الفجأة التي كثر في أيامنا هذه، من علامات الساعة التي أخبرنا بها حبيبنا وإمامنا- عليه السلام-، فهو خير للمؤمن التقي، شر ووبال على المنافق الدعي، فالحذر الحذر من سوء الخاتمة، والسبق السبق نحو نيل حسن العاقبة، فلنتزود من الدنيا إلى الآخرة، فإن الدنيا فانية، والآخرة هي الباقية.
أسأل الله ختاما أن يلهمنا رشدنا وصوابنا، ويقينا شر أنفسنا، ويمن علينا بنعمة إحياء الليل بسنة القيام، والذكر والتسبيح والصيام، واعذروني إخوتاه، فإن كنت قد قصرت عن الإبلاغ، وفرطت في التبيان والإيضاح، فلقصوري وقلة نوري، وأعوذ بربي أن أكون شمعة تضيء للناس طريق الهداية والرشاد، وتحرق نفسها بمضيها في الغواية والإفساد.
يا أيها الملك القدوس رحماك *** ضاع الوجود وضل الخلق لولاكا
راجين باكين والظلماء ساكنة *** حبا لذكراك أو شوقا لنجواكــــــا
مجيب السائلين حملت ذنبي *** وسرت على الطريق إلى حماكـــا
ورحت أدق بابك مستجيرا *** ومعتذرا منتظرا رضاكــــــــــــــا
دعوتك يا مفرج كل كرب *** ولست ترد مكروبا دعاكــــــــــــا
وتبت إليك توبة من تراه *** غريقا في الدموع و لا يراكـــــــا
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه، آآآآمين،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته.
بقلم أخيكم المفرط في جناب ربه أبي هاجر المراكشي.
Sad