آداب حملة العلــــــــــــــم............

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وبعد:
لا تحسبن العلم ينفع وحده **** ما لم يتوج ربه بخلاق
كثيرا ما صادفت ثلة من طلبة العلم، قد من الله عليهم بنعم التفوق وسرعة الخاطر، ولكني ما لمست التواضع وخفض الجناح إلا من قلة يسيرة منهم، بل إن رفع الهامة والعجرفة، صفتان ذميمتان تسم معظمهم، فمن هذا المنطلق، وددت أن أستهل مقالتي هذه بذلكم البيت الشعري، الذي يؤكد على ضرورة اتصاف طالب-ة- العلم، بميزة الخلق الحسن، والسيرة المحمودة، إن هو أراد لعلمه ذيوعا وانتشارا في أوساط مريديه، وإلا كان مصير علمه وسهره، الذبول و الذهاب أدراج الرياح، ورحم الله بعضا من سلف أمتنا، حينما قال:" كنا نتعلم الأدب قبل العلم والعمل"، وقول الآخر: "علم بلا أدب كطعام بلا حطب"، فلكم أن تتخيلوا طعاما نيئا لم يتم طهوه، كيف سيكون؟؟؟
فكذلك الحال، بالنسبة لمن حباه المولى بعلم واسع، واطلاع شاسع، ولكنه جاف قبيح التصرف، متبلد المشاعر، هل سيفلح في اكتساب سمعة طيبة، وذكر حسن جميل؟!! قطعا لا، فالضابط الأول، إخوتي الأعزاء، أخواتي الفاضلات، من ضوابط تحصيل العلم بقسميه، أن يكون طالب العلم متخلقا، حييا، وقورا...
بعدها، أعرج بكم سريعا، على محددات أربعة أخر، قبل أن يعمد الطالب أو الطالبة، إلى نشر ما تلقوه من علم، وما حصلوه من معارف، وهي على التولي:
الصمت/ الاستماع/ الفهم/ الحفظ/ ثم أخيرا النشر.
وإن تأملا سريعا، في تلكم الأركان، يفضي بنا، إلى اكتشاف أنها كالسلسلة المترابطة، التي إن اختل عقد من أعقادها، فإننا حينها لن نجوز إلى العقد التالي، لأن السابق منها يقود إلى اللاحق، وهكذا دواليك بالتدريج.
فأما الصمت، فهو شرط أساس، لأنه يعود صاحبه على التركيز، وصفاء الفكر، فإن تحقق ذلكم الضابط، سهل حينئذ على المريد، حسن الإنصات والاستماع، فتكون النتيجة لكل ذلك، أن يعي الطالب مضمون ما تلقى، ويستوعبه استيعابا جيدا، مما يسهم في ترسخه وتثبيته في الحافظة، ليتوج الطالب في مرحلة أخيرة، مشوار تحصيله، ببث ما اكتسبه، ونشره على أعين ومسامع تلاميذه وطلابه.
ثم إن الصبر على صرامة المعلم، وحزم الشيخ، أمر لا بد من الإشارة إليه في هذا المقام، لأنه من صبر على الأشق المرير ساعة، استمتع بالألذ الأطيب طويلا، وإلا، ف
من لم يذق مر التعلم ساعــة **** تجرع ذل الجهل طول عمره
من فاته التعليم وقت شبابـــه **** فكبر عليه أربعا لوفاتـــه
هذا فيما يتعلق بالآداب الواجب توفرها لدى المريدين والطلاب، وأجوز بكم الآن إلى الشروط والمبادئ، لمن أراد علو كعب، ورسوخ قدم، في ميدان التعليم والتعلم، فأقول:
أخي لن تنال العلم إلا بستة **** سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة **** وتلقين أستاذ وطول زمان
يكشف البيت الثاني عن ستة شروط، تمكن صاحبها من ارتياد سلالم المجد، والارتقاء إلى الأفق الرحب.
فأما أولها فيتعلق بوجوب اتقاد الذهن لدى المتعلم بشعلة من الذكاء و سرعة البديهة، زد على ذلك أن يحرص الطالب على عدم تفويت شرف الجلوس بين يدي أستاذه، بل يحرص الحرص البالغ على تذوق حلاوة ولذة المشافهة والسماع، كما ينبغي أن يجنب نفسه التكاسل والخمول، وأن يحل محلهما الاجتهاد والتفوق على الأقران، وأما فيما يخص البلغة، فالمراد بها أن يتفرغ الطالب، ولا يشغل نفسه بأشياء تقذف به بعيدا عما خطه من أهداف، وما سطره من مقاصد، فالعلم بحر لا ساحل له، إن أنت أعطيته كلك، أعطاك بعضه، وإن أنت كنت شحيحا، لم تعطه إلا بعضك، لم يعطك شيئا، ثم إنه لا بد في تلقي العلم، من تلقين – أي شرح- الأستاذ، وألا يكتفي المحصل بالاحتكاك بالمصادر والمظان، فمن كان شيخه كتابه، غلب خطأه صوابه، فالأستاذ نبراس ينير لطلبته طريق المعرفة، وتنقشع بفضل شروحاته غياهب الإبهام عن أفهامهم، وظلمات الغرابة عن أذهانهم، وأقتنص الفرصة من هذا المنبر، لأقول: إن ثمة ثلاثة أصناف من الأساتذة، الأستاذ الصديق(الذي يمضي حصصه في التنكيت، وخداع التلاميذ)، والأستاذ الجدي(الذي يبث في أنفس تلاميذه مللا وتبرما)، ثم الأستاذ الصديق/ الجدي(الذي يكسب محبة تلاميذه، وفي الآن نفسه يبذل أقصى ما في وسعه لإفهامهم)، فأي هؤلاء الثلاثة هو الأقدر على الرفع من مستوى جودة منظومتنا التعليمية؟؟؟ لنصل في نهاية المطاف إلى الضابط الأخير، إنه طول الزمان، أي أن تكون لدى الطالب قدرة هائلة على الصبر، وتحاشي اليأس والقنوط في حالة التعثر، فمن أخطائنا نتعلم، وما الفشل إلا خطوة صائبة منا نحو شق طريق النجاح بتوأدة ومهل.
أيها المريد الحبيب، أيتها الطالبة الكريمة:
إنك إن ظفرت بعمر نوح، ومال قارون، وصبر أيوب، فإنك لن تحوز من هذا العلم، إلا بالمقدار الذي تدخل فيه إصبعك إلى عباب البحار، ومع ذلك، فإن انتهاج ما تقدم، والخضوع له، دونما زيغ أو مجانبة له، سيتيح لكم معاشر الأحبة التميز والبروز.
فما أحوجنا إلى جيل ناشئ يعيد للعلم رونقه وبهائه المغيب، ونضارته وصفائه المضيع، فهل من آذان صاغية تعي مدلول خطابنا؟؟؟ وهل من أفئدة واعية تستشعر خطورة كلامنا؟؟؟
المفتقر إلى رضا مولاه، أبو هاجر المراكشي.
Smile

الجمعة الأغر، بعيد صلاة الصبح، 1 ربيع الأول 1429
.

آه لو التزمنا بتلكم المبادئ، لأنصلحت أحوالنا، فالمدرسة عماد الصلاح، ومنبت التقى، فجزاك ربي خيرا.

حياك الله اخي الكريم على مقالك المتميز وانت محق فيما قلت اسال الله لهم ولنا الهداية وان يجعل موضوعك هذا في ميزان حسناتك

بارك الله فيك وجزيت خير الجزاء جعل الله لك بكل حرف هنا حسنه
اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا
تحيه طيبه

قال نعالى "ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك" صدق الله العظيم

شكراا لك أخي على موضوعك المميز والمفيد جدااا