الحمد لله رب الأولين والآخرين، المتفرد بتصريف أمور العالمين،ولي المتقين،ومعز أتباع هذا الدين ، أحمده سبحانه وأشكره جعل السعادة في الدنيا والآخرة لمن تمسك بهدى الدين، وجعل الشقاء والضنك والعذاب موعد المعرضين والمعاندين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله النبي الأمي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد:فاتقوا الله عباد الله تكونوا أكرم الخلق عند الله قرر ذلكم قيوم السموات والأرض بقوله:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}([1]) .
أمة الإسلام و لا زال الحديث موصولاً عن الزواج واليوم أود أن أقف بالأباء والفتيات المقبلات على الزواج أمام قضية يعرفها الجميع ولكن قد تنسى في زحمة الحياة ووطأة تغير الموازين والمعايير الاجتماعية ؛ هذه القضية هي ثمرات زواج الفتاة من الزوج الصالح ديناً وخلقاً وهي الوصية التي أوصى بها خير البرية أمته حينما قال : ((..إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ))(2)أخرجه الترمذي وابن ماجة، فماذا تجني الفتاة وماذا يجني أهلها من الزواج بالرجل الصالح ؟ إن ثمرات مثل هذا الزواج المبارك عديدة لكن أوجز إليكم أهمها .
أول تلك الثمرات:تحقيق الاستقرار الإيماني والعبادي للفتاة وقد يشمل ذلك أهلها والأخذ بأيديهم إلى طريق الجنان والرضوان بكل لطف وأدب ومحبة بعيداً عن التشنج والتصرفات الرعناء لأنه يدرك أن زوجته هي من أقرب أهله إليه وأن الله جل وعلا قد نادى عباده المؤمنين بالنداء والوصية الخالدة التي قال فيها : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(3). يحبب إليها ربها من خلال تذكيره المستمر لها بنعمه عليهم وعطائه لهم،يحبب إليها رسولها من خلال تذكيرها بسيرته وما بذل في سبيل أن يصل إليها هذا الدين فتؤمن به وكيف أن الله أنقذها من النار به ، يحبب إليها شريعة ربها فيبين لها الحجاب وما يترتب عليه من فوائد لها ولمجتمعها ، يبين لها أنه ما من أمر أمر الله به إلا وفي اتباعه الخير وما من نهي نهانا الله عنه إلا وفي تركه الخير يأخذ بيدها للترقي في سلم الرضوان فيشجعها على حفظ كتاب الله وعلى تدارس سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويفقهها في دينها ويحثها على حضور مجالس الخير ، فيكون بيتهم بيت عجيب لا تكاد تفارقه الملائكة، ومالها لا تفارقه وقد خلا من كل ما ينفر الملائكة من البيوت فبيتهم قد خلا من الصور المعلقة ومن الموسيقى والغناء ومن فحش القنوات ومن رائحة التدخين العفنة، فلا تجد فيه إلا راكعاً أو ساجداً أو للقرآن تالياً أو لساناً لذكر الله مردداً ورائحة بخور الطيب تعبق فيه ، بيت خلا من كلمات الفحش والبذاءة لتحل محلها كلمات الحب والأدب .
ثاني تلك الثمرات:أن الفتاة تكسب زوجاً إذا دخل عليها دخل بساماً ضحاكاً ليس عابساً ولا متجهماً لأنه يعرف أن تلك هي سنة قدوته صلى الله عليه وسلم الذي وصفته بها زوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها :” كَانَ أَلْيَن النَّاس,وَأَكْرَم النَّاس,وَكَانَ رَجُلًا مِنْ رِجَالكُمْ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ بَسَّامًا “(4).أي كثير التبسم .
ثالث تلك الثمرات : أن الفتاة تكسب زوجاً لا يتركها وهم البيت والأولاد وحدها بل يساعدها في شؤون المنزل بقدر ما يسمح له وقته لأنه يعلم أن هذا دأب رسوله صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ (5).
رابع تلك الثمرات : أن الفتاة باختيارها الزوج الصالح تكون بإذن الله قد وفقت في اختيار حياة صالحة مستقرة لأن الشاب الصالح يجعل نصب عينيه وصية خير الورى له حينما أوصى الأمة بأجمعها فقال: ((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ))(6).ولله در الحسن البصري حين سأله رجل فقال : (يخطب ابنتي الكثيرون فمن أزوجها؟قال زوجها ممن يتقي الله فيها فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها )(7)، الزوج الصالح لا يبغض زوجته لأتفه الأسباب لأن رسوله وحبيبه أوصى فقال(لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ))(11).وهذا هو ذروة الاستقرار الأسري الذي تنشده الفتاة وينشده أهلها، فكم من أسرة كره فيها الزوج زوجته لأتفه الأسباب فانتهت حياتهم بالطلاق .الزوج الصالح يكون شفوقاً عطوفاً على أهله لأن نصب عينيه قوله صلى الله عليه وسلم : ((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ..))(7).ولا يتصور أحد بأن بيوت الصالحين هي بيوت جد وبكاء لا مجال فيها للعب ولا للضحك ولا للأنس لا،فهذا خير من وطئ الثرى يسابق زوجته ولكن ليس على الكورنيش أو أمام الناس لا ولكن يسابقها في مكان خال لا يراهم فيه إلا الله فيعظم لهم الأجر والمثوبة ويرضى عنهم عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ قَالَتْ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ: (( هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ))(.الرجل الصالح يقدر جانب محبة اللهو في امرأته لاسيما إن كانت صغيرة السن لأن من هو خير منه وخير من البرية بأجمعها كان يستر زوجه عائشة رضي الله عنها وعن أبيها لتنظر إلى الحبشة وهم يلعبون ولكن هل كان يتركها تنظر ذلك في مجامع الأسواق والمنتزهات العامة ؟ هل كانت تنظر إليه و هي كاشفة وجهها متعطرة متزينة تزاحم الرجال بأكتافها ؟ لا ولكن اسمعوا كيف كان ذلك تقول أمنا أم المؤمنينرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ وَأَنَا جَارِيَةٌ فَاقْدِرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْعَرِبَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ)(9).الرجل الصالح يعطي لزوجته وقتاً يجلس إليها فيه ويسمع منها ولكم في قصته صلوات ربي وسلامه عليه مع السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها يوم أن جلس يستمع إليها وهي تقص عليه قصة أم زرع الطويلة نسبياً دون كلل أو ملل ثم يختمها بكلمات تجعل الحب يتفجر أنهاراً في قلب زوجته،الرجل الصالح يعرف معنا قوله تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(9).فتجده يسارع إلى أداء حقوق المرأة كما يطلب منها حقوقه ، تجده يتزين ويتعطر ويهتم بمنظره وشكله كما يحب من زوجته أن تتزين و تتعطر له والثمرات التي تجنيها الفتاة من الزوج الصالح هي وأهلها أكثر من أن تحصى،أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(10).
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً .أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واحرصوا أن تنكحوا من تحت أيديكم من النساء إلى الصالحين من الرجال فإن في ذلك سعادة لهن ولكم في الدنيا وفي الآخرة،أيها الأحبة في الله قد يقول قائل إن خطيبنا اليوم يتحدث في الخيال بعيداً عن الواقع فكم من فتيات تزوجن من رجال صالحين كان مصيرهن الطلاق،فأقول له يا أخي الحبيب لا بد وأن يكون في زماننا هذا من يجتهد أن يطبق شريعة الله وسنة رسوله في حياته وقد يكونوا قلة ولكنهم موجودون،ثم إن الصلاح لا يعني عدم الطلاق فقد وقع الطلاق من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم من خير القرون كما وصفهم بذلك من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وأقول مع الأسف أن من أكثر ما يفسد بيوت الصالحين في هذا الزمان استجابة الفتاة لضغوط والديها أو جاراتها أو زميلاتها أو المجتمع ممن ينظرون إلى الدين بأنه كبت وتعقيد وحرمان من بهجة الحياة فتتمرد الفتاة مطالبة زوجها بالتخلي عن مبادئه والذوبان في مستنقع حياة جاهلية فيكون الزوج بين خيارين إما أن يضحي بمبادئه ودينه وإما أن يضحي بها وفي المجتمع يوجد أزواج رضخوا لتلك الضغوط واختاروا الفانية على الباقية فضحوا بمبادئهم،ولكن منهم من عرف أنه لن ينفعه غداً إلا ما يقدم من العمل فضحى بالمرأة ، وفي المجتمع غيرها كثير،ثم يجب أن يعرف بأنه ليس كل من أطلق لحيته وقصر ثوبه يمثل الدين تمثيلاً حقيقياً فمنهم الجاهل الذي لم يفقه دينه وسنة نبيه حق الفهم،ومنهم من التبست عليه الأمور في ظل الفتن العصرية المائجة فلم يعرف ما موقف الدين منها..وهكذا فهم شريحة من شرائح المجتمع تحتوي على نماذج عديدة،لكن العاقل لا أظن إلا أنه يجزم بأن زواج الفتاة من صاحب الدين والخلق خير من زواجها من غيره لأنه على الأقل لديه مبادئ وأسس يمكن في حالة الاختلاف الاحتكام معه إليها.
————————-
[size=24][/size]