سلسلة مقالات عن الغش......

بسم الله الرحمن الرحيم
تعتبر مشكلة الغش في الامتحانات من المشاكل المنتشرة بين التلاميذ في مختلف مستويات التحصيل الدراسي، وإنني أتغيى من خلال هذا المبحث إبراز الأسباب الحقيقية التي أسهمت في تنامي هذه الظاهرة وشيوعها ، هل مرد ذلك إلى ضعف الوازع الديني لديهم ؟ أم إن كثرة الدروس وضيق مدة الإعداد هما الدافع لذلك ؟ أم إن الخلل يرجع إلى النقص في التربية التي يتلقونها من لدن أسرهم ؟ ... ثم ما هي أبرز الوسائل المعتمدة من قبلهم للقيام بذلك الجرم المشهود ؟ وأخيرا ما عساها تكون الآثار والنتائج المترتبة عن كل ذلك ؟
هذه مجموعة من الأسئلة وغيرها أرجو أن أتمكن من كشف النقاب عنها في ثنايا هذه الوريقات.
تجدر الإشارة أولا إلى أن تسليط الضوء على أهم الأسباب والدوافع ، ليس المقصود منه التماس العذر لذلك الفعل القبيح ، بل إن الصواب أن يقال إن معالجة الداء معالجة ناجعة فعالة تبدأ أولا بوضع اليد على مكامن الخلل ، بعد ذلك نستطيع بكل سهولة ويسر إيجاد الوصفة الفعالة للقضاء نهائيا على هذه الآفة ، وفيما يلي جرد بأهم تلك الأسباب :
1 – 1 : ضعـــــف الوازع الدينــــــي :
فالغاش قد أثبت بلجوئه إلى الغش أنه ضعيف الإيمان ، ضعيف المراقبة لله ، نظرا لعدم مبالاته بقضية الحلال والحرام ، فالغش حرام، وقد ورد في تحريمه ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم - مر على صبرة- بمعنى وعاء - طعام فأدخل يده فيها ، فنالت أصابعه بللا ، فقال : ما هذا يا صاحب الطعام ؟ فقال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ؟"من غشنا فليس منا"،رواه مسلم. لذلك اتفق العلماء أن الغش حرام في كل الأمور، بل رجح أكثرهم بأنه كبيرة من الكبائر.
1 – 2 : انعدام خــــلــقـي الأمانة والحـيـاء :
فهذان الخلقان عاصمان للمرء من الغش، أما إذا انتزعا من قلب الشخص فقد المناعة الذاتية، لذلك يهون عليه ركوب كل قبيح دون أي شعور بتأنيب الضمير ، أما الحسيب الأمين فإنه يكره أن يعمل عملا يُذم به أو يُعاب عليه ، كما قال القائل :
ورب قـبـيحة مـا حال بيني * * وبـين ركوبها إلا الحياء
فكان الحياء هو الدواء لها ولكن * * إذا ذهب الحياء فلا دواء
1 – 3:الإهـمـــال والكســــــل:
فلن تجد تلميذا مجتهدا غشاشا إلا ما نذر، بل إن كل الغشاشين هم من المتردية و النطيحة وما أكل السبع ، فإنهم أهملوا وقصروا طوال السنة ، ولم يجدوا لهم حلا إلا الغش وسرقة جهود الآخرين ، فينطبق عليهم المثل العربي القائل : " أحشفا وسوء كيلة " ، ومن أغرب الأعذار التي يسمعها الإنسان عند مناقشته لهذه الظاهرة تبرير الغش بصعوبة الامتحان ، وهذا غريب ، فلماذا لم يكن الغش صعبا إلا عليهم ، هذا منطق الحمقى و الفاشلين .
1 – 4: اختلا ف القوى العقــلـــيـــة:
وهو كذلك من أبرز الأسباب مع استثارة الغيرة والتنافس غير البريء، فيحاول بعض التلاميذ الوصول إلى مستوى الآخرين ولو بطريق غير مشروع.
1 – 5 : التربيــــــة الخاطئة في الأسرة :
حيث يربى الطفل – بطريقة غير مباشرة – على الغش والكذب، بل ربما دفعه الخوف من الوالدين إلى محاولة الغش لتحقيق التقدير العالي، وإن كان لا يستحقه، إرضاء لهم.
1 – 6 :تغاضــــي بعض المدرسين عن التلاميذ :
فضلا عن التعاون معهم في بعض الأحيان، سواء في إنجاز الواجبات أو الامتحانات، ولاشك أن هذا من التواطؤ على الإثم والعدوان، والله تعالى يقول:{ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }. وهذا المربي قد شارك في هذه الجريمة مهما كان دافعه ، كالشفقة والرحمة ، فإنهما في غير محليهما ، بل هما من التغرير بأولائك التلاميذ وغشهم ، ومن الخيانة لله ورسوله والمؤمنين .
1 – 7 : تواطؤ التلاميذ مع بعضهم البعض في الغش :
وهذا أيضا من التعاون على الإثم والعدوان، والواجب إنكار المنكر، وعدم تمكينهم من الغش، نعم من التعاون على البر والتقوى أن يشرح الفاهم والمتمكن لإخوانه وأصحابه المسألة لهم بدل تعويدهم على نسخ الحلول دون فهم لها.
1 – 8 : تساهــــل الإدارة مع الغششة :
بدل اتخاذ إجراءات صارمة ورادعة لهم ولغيرهم . وعندها تكون تلك الإدارة ممن ضيع الأمانة المنوطة بها . لذلك فالحزم مع هذه الفئة هو عين الرحمة لهم ، لأن من أمن العقوبة أساء الأدب .
1-9: الخوف من العار والفشل :
وما قد يترتب عن هذا الفشل من نتائج أو صعوبة المادة ، وعدم تمكن الطفل من استيعابها أو تفادي عقاب يقع عليه ، إذا هو لم يصل إلى مستوى أعلى ، أو حرمانه من امتيازات كان يتمتع بها بدعوى أنها هي السبب في رسوبه ، فيحاول الغش حتى ينجح ويحظى بامتيازات أخرى .
1 – 10 : نــــظام الامــتحــانـــات :
فالنظام المعمول به حاليا هو المسؤول الأول عن غش التلاميذ ، فتوقف مستقبلهم على تلك الامتحانات أسهم إلى حد بعيد في انتشار هذه الظاهرة . ذلك أن مبالغة التربية القديمة في قيمة الامتحانات واعتبارها هدفا في حد ذاتها حث التلاميذ على الغش حتى يصلوا إلى هذه الغاية. ولاشك أن النجاح في الامتحانات والتفوق فيها أمر يهم التلميذ وأبويه ومعلميه … وليس ذلك خطأ، إلا أن المشكلة الواقعة هي ما يحدث من مبالغة في هذا الاتجاه. الأمر الذي يؤدي إلى اعتبار نجاح التلميذ في الامتحان هدفا تتضاءل – أو تختفي– أمامه الأهداف التربوية الرئيسة.
1 – 11 : تراكم المنهاج الدراسي :
ذلك أن تركيز النظام التعليمي على شحن المتعلمين بجملة من المعارف والمعلومات دون مراعاة لمدى الاستيعاب الذي قد يترسخ لديهم يفرز نوعا من النفور من تلك الدروس ، فيتولد لديهم إحساس بضرورة اللجوء إلى الغش باعتباره الحل الناجع – في اعتقادهم – لتجاوز هاجس السقوط أثناء الامتحان .
لعل هذه أهم الأسباب والدوافع التي يظهر لي أنها تتعلق بمجالات شتى، منها ما يمس القيم الدينية، ومنها ما يتعلق بالأسرة، ومنها ما يرتبط بالنظام التربوي – عموما -، ومنها ما تتقاطع فيه شخصية المتعلم مع نفسيتــه.
وصلى الله وسلم وبارك على خير الورى كلهم، وعلى الآل والصحب والتابعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته.
بقلم أخيكم أبي هاجر المراكشي.
وحرر بطانطان الزاهية، بين العشاءين، 21 فبراير2009
Sad

موضوع اجتماعي وملموس في مدارسنا فالغش اصبح ضروري ولا حياة لمن تنادي

بارك الله فيك أخي أبوهاجر ومبروك على الترقية