الصاحـــــــــب ساحـــــــب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المنعوت بجميل الصفات، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد أشرف الكائنات، المبعوث بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وعلى آله وصحبه الذين نصبوا أنفسهم حماة للدفاع عن بيضة الإسلام، والذوذ عن حياضه، حتى رفع الله بهم مناره، وأعلى كلمته، وجعله دينه المرضي، وطريقه المستقيم،
وبعد:
" الصاحب ساحب"

بهذا العنوان أحببت أن أسم هذا المقال اليسير، آملا أن أحقق من خلاله المقولة الشهيرة: " العناوين أنساب المضامين"، وما ذاك إلا بقصد الدفع بالمتلقي الكريم إلى تشكيل انطباع أولي عن الموضوع الذي سأطرقه، لكي يطالعه بعقلية الناقد الممحص، لا بذهنية المستهلك المتقبل، الذي لا يعمل فكره و لا ملكاته النقدية في سبيل الحصول على المعرفة الخالية من الشوائب المعيبة، لأن المعارف على اختلاف قيمها ودرجاتها – كما لا يخفى على شريف علمكم وواسع اطلاعكم - مفاتيح القلوب، ومن امتلك تلكم المعارف، امتلك مفاتيح القلوب، فوجب التنبه إلى الخطر الشديد الذي تضطلع به .
أيها الإخوة والأخوات، يا سواعد الأمة في الغد القريب، يا معقد آمالنا:
إننا إذا انتظرنا أن تصبح الرياح والجو مواتيين، فإننا قطعا لن نزرع ولن نحصد شيئا، وإنني على إحاطة وعلم بأن أصعب جزء في عملية بناء الجسر هو البدء في البناء، لأجل ذلك دعونا – أحسن الله عاقبتكم - نتخلص ابتداء من الكبر والغرور اللذان قد يتسللان إلى أفئدتنا ونحن نهدي عيوبنا إلى بعضنا البعض، فإن رجلا قد قام وعمر يخطب، فقال: " يا أمير المؤمنين، اعدل، فإنك ما عدلت"، فاستنكر عليه الحاضرون ذلك، فماذا كان رد خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ قد يتفاجأ من لا يعرف سيرة الفاروق أبي حفص، إذا علم أنه – رضي الله عنه- قال لهم:" لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها، ألا رحم الله امرءا أهدى إلي عيوبي". فدعونا نتأسى بذلك الجيل الفريد، الذي لن يجود علينا الزمان بمثله، وحسبنا أن ندور في فلكهم، وأن تقتدي بسيرهم ، لكي نغترف منها الفوائد الجمة.
وأبدأ بعزم راسخ، وإرادة عالية، معتمدا على ربي، وأقول:
عن المرء لا تسل واسأل عن قرينه """""""" فإن القرين بالمقارن مقتدي

لقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مثل الجليس الصالح ومثل الجليس السيء، كمثل حامل الطيب ونافخ الكير" أي الحداد"، فأما حامل الطيب فإما أن يهديك شيئا من طيبه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، وأما نافخ الكير، فإما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا نتنة".
إن قضية الصحبة ذات أثر بالغ الخطورة، ليس فقط لأنها تحدد مصائر الناشئة، بل إن الأمر أخطر من ذلك وأعقد بكثير، إنها قضية شائكة عليها مدار ومآل الأمة بأكملها، فلا ينبغي علينا إطلاقا القول بأن الرفقة السيئة لا تشكل إلا استثناء بسيطا، وأنه لا مخافة على أبنائنا وبناتنا، فالمجتمع ما زال عامرا بالخير والنفع العميمين، لهؤلاء أقول: مهلا، انتبهوا، إياكم وخلق التسرع الذميم، و
لا تحقرن صغيــرة ****** إن الجبال من حصـــى

إن الذي يصنع الأحداث الجسيمة هي تلك الجزئيات الصغيرة، التي ينتقص من قدرها السواد الأعظم من الناس، بعلم أو عن غير علم، ولكن في كل الأحوال أحلاهما مر، وذلك أنك:
إن كنت تدري فتلك مصيبة ****** وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم

إن الصاحب – كما سبق وأسلفت الذكر- ساحب، فإما أن يسحب رفيقه بلين وحنو إلى مسالك الخير، ويدله على مواطن البر، فيكون سببا لدخوله إلى الجنان، وإما أن يكبه على وجهه في النار، بعد إذ قذف به في مستنقعات المعاصي، و ألقى به بعيدا في براثين الآثام والزلات،

أحب من الإخوان كل مواتي ****** وكل غضيض الطرف عن عثراتي
يناصحني في كل أمر أريده ****** ويحفظني حيا وبعد مماتــــي
فمن لي بهذا ليت أني أصبته ****** لقاسمته مالي من الحسنــــات
تصفحت إخواني فكان أقلهم ****** على كثرة الإخوان أهل ثقاتـــي

ما أروعه من نظم، وما أبدعه من شعر، إذ يرصد لنا صفات الرفيق الحق، الذي لا يخشى في قول كلمة الحق لومة لائم، طبعا بالضوابط والمحددات التي لا تعرض المنصوح للحرج والانتقاص، فإن النصيحة أمام الملأ فضيحة، والأحرى أن:
تغمدني بنصحك في انفرادي ****** وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع ****** من التوبيخ لا أرضى استماعه

ليحرص كل واحد منا على مصاحبة من يحيا الحياء بصحبتهم، لنصادق من إذا رأيناه ذكرتنا رؤيتنا له بالله، ولنحترس من الرفقة السيئة التي لا تأل جهدا، ولا تتدخر وسعا في سبيل الإيقاع بنا في فخاخها وشراكها،
ولا تجالس أهل الدنايا """"""""""" فإن أخلاق السفهاء تعدي

لينتق المرء منا إلفه وخليله، وليبذل بقصد الحصول على تلك البغية السنية كل ما في استطاعته، وكما أن الإنسان يحرص أشد الحرص على أكل الجيد من الطعام، وارتداء الأجود من الملابس، وركوب الحسن من المراكب، فليوازي ذلكم الحرص وليردفه بحرص أشد على اختيار الرفقة الطيبة التي تعينه على طاعة سيده ومولاه، وأشهدكم بالله، إنني عندما كنت أدرس في الكلية، كانت تدرس معي طالبات كن في بداية الموسم الجامعي في قمة الحشمة والوقار، حتى إنهن عندما كن يشعرن بأن أحدا ما ينظر إليهن، تكاد إحداهن تتعثر قدماها أثناء مشيتها من شدة ما تأصل عندها من قيم الوقار ، وترسخ لديها من سمات العفاف والنقاء، لكن بمجرد أن تتعرف الواحدة منهن على إحدى رفيقات السوء، تنقلب حياتها رأسا على عقب، وتتحول من فتاة كانت بالأمس القريب مثلا مشعا منيرا للعفة والطهر، إلى أنموذج فاسد مرير للتبرج والسفور، والميوعة والانحلال الذميمين، وكل ذلك طبعا بسبب احتكاكها مع تلك الشلة المضلة المغوية، ولله در الخليفة الراشد ذي النورين" عثمان بن عفان" – رضي الله عنه-، حينما جلى لنا بكل دقة وتسديد هذا الوضع المزري بقولته الشهيرة:" ودت الزانية لو أن كل النساء زنين"، هي والله قولة صادقة تعكس بجلاء واقعنا الكئيب، فإننا نرى كثيرا من الفتيات اللائي زلت أقدامهن في الحضيض، لا يهنأن ولا يغمض لهن جفن، حتى يفلحن في الإيقاع بفتيات بريئات ساذجات، فيصرن مثلهن ممن يبعن أجسادهن وأعراضهن بأرخص الأثمان- أعز الله الأخوات الفاضلات، وجنبهن طريق الفاحشة والمعصية -، وليس الأمر قاصرا على الفتيات فحسب، بل على العكس من ذلك فإن الخطر ممتد إلى الذكور كذلك، بنفس وثيرة الخطورة، وعلى قدم المساواة عينها، لأجل ذلك وجب الاحتياط مما يحاك لأبنائنا في الخفاء، ودق ناقوس الخطر، فإن الأمر كله جد، لا مكان فيه للهزل واللعب، وإذا ما نحن أردنا أن نرتقي إلى مدارج الرقي والكمال البشريين، وجب علينا- تبعا لذلك- إيلاء العناية للقصوى لهذه القضية الحساسة، ينبغي أن تتظافر الجهود من قبل جميع الجهات المعنية بقصد الحد من هذه الظاهرة الخبيثة التي أضحت تنخر قيمنا، وأوشكت أن تصيبنا في مقتل.
وسلام على الدنيا إذا لم يكن بها """""""" صديق صدوق صادق الوعد مخلص

نبتهل إليك ربنا أن تصلح شباب المسلمين وفتياتهم، وأن تجود علينا يا حنان يا منان بالتوبة والأوبة الصادقة إليك، والاعتصام بشرعك القويم ومنهج نبيك الواقي من كل سوء وفتنة وضلال، آآآآآآآآآآمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين، ومن دار في فلكهم، والسلام.

مع تحيات أخيكم أبي هاجر المراكشي.
Sad

ماااااااا شاء الله والله اسلوب روعة تمنيت لو كنت ادبية لكي اكتب ولو فقرة تحتوي على مصطلحات ادبية من الدرجة الاولى ويشهد الله انني احسست بقشعريرة حينما قرات احدى جمل المقال والتي وصفت فيها بعض الفتيات لهدا نسال الله لنا ولهن الثبات على دين الاسلام واحيي الاخ على اسلوبم مرة ثانية سلام عليكم
اختكم في الله سناء

أسأل الله العظيم أن يمن عليك بنعمة الكتابة ذات الأسلوب الأدبي الرائق، ويشهد الله ما دفعني إلى الكلام إلا الحاجة، فما أنا بالذي يستحق أن ينبري للدعوة ويتصدى لتذكير الناس بالآخرة، وأعوذ بالله من تواضع النفاق.

وفقك الله أخانا على مقالك، والله أسلوب ينم عن قدرة باهرة.